خلال زيارته إلى القارة الآسيوية في نوفمبر الماضي، أعرب "أوباما" عن دعمه لاختيار دولة الهند كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، الذي يعتبر مركز القوة في المنظمة الدولية. وقد كان ذلك في الحقيقة اقتراحاً ذكياً من جانب الرئيس يهدف لتوسيع نطاق هذا الكيان الحيوي في تلك المنظمة وهو كيان ظلت عضويته الدائمة (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا)، من دون تغيير لعقود طويلة من الزمن. بيد أن ذلك التوسيع، مع ذلك، يجب ألا يتم في صورة ضم دولة جديدة مستحِقة، وإنما يجب أن يأتي في إطار عملية إعادة ترتيب كاملة. وهذا الشيء لن يكون سهلاً كما لن يكون سريعاً، وإنما سيتطلب قبل كل شيء دبلوماسية بارعة من الولايات المتحدة، التي يجب أن تسعى لضم أعضاء جدد لمجلس الأمن بحيث يكون لهم فائدة في النهاية لمصالحها العالمية. على أنها يجب أن تراعي وهي تقوم بذلك ألا تبدو وكأنها تفرض إرادتها على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والذي يبلغ عددهم 190 دولة، ويتبنون أجندات مختلفة بالطبع عن أجندتها. فبعض الدول من قارتي أفريقيا وأميركا اللاتينية، وهما القارتان غير الممثلتين في العضوية الدائمة للمجلس، سوف تطالب بالحصول على مقعد في مجلس الأمن كما ستعلن بعض الدول أن أوروبا(بريطانيا، وفرنسا، وروسيا)، ممثلة بأكثر مما يجب، كما أن بعض دول أوروبا قد ترى أنها تستحق تلك العضوية، لأنها لا تقل عن الدول الأوروبية الأخرى الممثلة بالفعل. وعلى الرغم من أن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، قد توافق على توسيع نطاق العضوية في المجلس بحيث يكون معبراً عن واقع العالم في اللحظة الراهنة، فإنه من غير المرجح أن توافق تلك الدول على منح الدول الجديدة التي ستنضم للمجلس حق الاعتراض (الفيتو)، الذي تتمتع به منذ إنشاء المنظمة الدولية. وبعد أن تنتهي المناورات والمجادلات المتوقعة، حول من سينضم، ومن لن ينضم، فإن الدولة التي سيقع عليها الاختيار في النهاية، يجب أن تحظى بموافقة الأعضاء الخمسة الدائمي العضوية(بالإجماع)، وبثلثي أعضاء الجمعية العمومية ناهيك عن موافقة مجلس "الشيوخ" الأميركي. من المعروف أن الأمم المتحدة قد أنشأت عام 1945 بواسطة بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي، والصين، وهي الدول التي اعتبرت نفسها راعية لفترة السلام التي تلت الحرب العالمية الثانية، وتمكنت على هذا الأساس من السيطرة على الكيان الدولي الجديد. وبخلاف الدول الخمس الدائمة العضوية التي تتمتع بحق الفيتو، هناك 10 دول منتخبة، تمثل أعضاء غير دائمين، وتقتصر مدة عضويتهم على سنتين فحسب. وقد ظل مجلس الأمن الدولي، منذ إنشائه هو الهيئة المهيمنة على المنظمة الدولية إلى حد كبير. فهذا المجلس هو الذي يخول بإنشاء مهام وعمليات حفظ السلام في عشرات من دول العالم. بالطبع يتمتع السكرتير العام - الذي يتم اختياره بالتناوب من مناطق مختلفة من العالم - ببعض النفوذ الذي يتوقف على قوة شخصيته أو ضعفها، بيد أن وظيفته - في جوهرها - تنحصر في القيام بدور المدير التنفيذي لمجلس الأمن، الذي ينفذ قراراته الرئيسية. ويذهب تقرير حديث لـ"مجلس العلاقات الخارجية الأميركي"، إلى أن الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن قد تم اختيارهم بناء على قدرتهم على ضمان السلم الدولي، وليس بناء على تمثيلهم الإقليمي. وجاء في التقرير الذي كتبه"كارا ماكدونالد" و"ستيوارت باتريك":" والشيء نفسه يجب أن ينطبق على أي دولة يتم ضمها للعضوية الدائمة للمجلس". بناء على ذلك، فإن تصويت أوباما على انضمام الهند للعضوية الدائمة لمجلس الأمن يعد خياراً معقولاً، فهي دولة آسيوية ناهضة ونشطة، وديمقراطية راسخة، ومساهم أساسي في معظم عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، كما أنها تمثل معادلاً اقتصادياً للصين، وينظر إليها على أنها نموذج يجب احتذاؤه من قبل عدد من الدول الأصغر حجماً في جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى أنها تمثل معادلًا عسكرياً محتملًا للقوة البحرية الصينية التي تنمو في الوقت الراهن بوتيرة متسارعة. ولكن، وماذا عن الدول الأخرى التي تمثل مركز قوة آسيوياً كاليابان؟ فهذه الأخيرة معادل ديمقراطي للصين غير الديمقراطية، وتعتبر ثاني أكبر دولة مساهمة في ميزانية المنظمة الدولية بعد الولايات المتحدة، ولكن المشكلة التي تواجهها هي أن قواتها العسكرية متواضعة كما أنها تكن نفوراً للمواجهات العسكرية منذ التجربة المريرة، التي مرت بها في الحرب العالمية الثانية وعند نهايتها. أما بالنسبة لأفريقيا، فنجد أن الدبلوماسيين المنتمين لهذه القارة، يرشحون نيجيريا للعضوية الدائمة لمجلس الأمن. ولكن مشكلة نيجيريا أن ديمقراطيتها هشة، على الرغم من حقيقة أنها تعد مساهماً رئيسياً في عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة. أما جنوب أفريقيا - ما بعد نيلسون مانديلا - فلديها جوانب عديدة مزعجة في سياستها، كما أن قواتها العسكرية هزيلة. في أميركا اللاتينية، هناك المكسيك، التي تساهم في ميزانية الأمم المتحدة بقدر يفوق كثيراً مساهمة البرازيل.. ولكن هذه الأخيرة قوة عظمى محتملة، لا شك في ذلك، وتعتبر نفسها جديرة بالحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، وأن أحقيتها في ذلك تفوق أحقية المكسيك. في أوروبا نجد أن ألمانيا وإيطاليا من كبار المساهمين في ميزانية الأمم المتحدة وأنه من حقهما نتيجة لذلك الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، شأنهما شأن بريطانيا وفرنسا. مجمع الأمم المتحدة القائم على ضفاف نهر" إيست ريفر" في نيويورك، يمثل منبراً يفترض أن يتم فيه حل مشكلات العالم من خلال المناقشات الدبلوماسية. وليس هناك من شك في أن توسيع العضوية الدائمة لمجلس الأمن، يمثل تحدياً حان أوانه. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"